الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١ - حرف الألف - إتلاف - طرق الإتلاف - الإتلاف بالتسبب
وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ ابْنُ رَجَبٍ بِقَوْلِهِ: أَسْبَابُ الضَّمَانِ ثَلاَثَةٌ، فَذَكَرَ مِنْهَا الإِْتْلاَفَ، ثُمَّ قَال: الْمُرَادُ بِالإِْتْلاَفِ أَنْ يُبَاشِرَ الإِْتْلاَفَ بِسَبَبٍ يَقْتَضِيهِ، كَالْقَتْل وَالإِْحْرَاقِ، أَوْ يُنَصِّبُ سَبَبًا عُدْوَانًا فَيَحْصُل بِهِ الإِْتْلاَفُ، كَأَنْ يُؤَجِّجَ نَارًا فِي يَوْمِ رِيحٍ عَاصِفٍ، فَيَتَعَدَّى إِلَى إِتْلاَفِ مَال الْغَيْرِ، أَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ فَطَارَ؛ لأَِنَّهُ تَسَبَّبَ إِلَى الإِْتْلاَفِ بِمَا يَقْتَضِيهِ عَادَةً، وَأَطَال فِي الْبَيَانِ وَالتَّفْرِيعِ (١) . وَالإِْتْلاَفُ بِالْمُبَاشَرَةِ هُوَ الأَْصْل، وَمُعْظَمُ صُوَرِ الإِْتْلاَفِ مِنْ أَمْثِلَتِهِ.
الإِْتْلاَفُ بِالتَّسَبُّبِ:
٢٨ - الإِْتْلاَفُ بِالتَّسَبُّبِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ: الضَّمَانُ فِي الْمَالِيَّاتِ، وَالْجَزَاءُ فِي غَيْرِهَا، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ. وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَطْبِيقِ هَذَا الْمَبْدَأِ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ دُونَ بَعْضٍ، فَمَثَلًا: عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ: لَوْ أَنَّ إِنْسَانًا فَتَحَ قَفَصًا فِيهِ طَائِرٌ، فَطَارَ أَوْ ذَهَبَ عَقِبَ فَتْحِهِ، وَالْمُبَاشَرَةُ إِنَّمَا حَصَلَتْ مِمَّنْ لاَ يُمْكِنُ إِحَالَةُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، لَزِمَهُ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ نَفَّرَ الطَّائِرَ، أَوْ أَهَاجَ الدَّابَّةَ، أَوْ سَلَّطَ كَلْبًا عَلَى صَبِيٍّ فَقَتَلَهُ؛ لأَِنَّ الطَّائِرَ وَنَحْوَهُ مِنْ طَبْعِهِ النُّفُورُ، وَإِنَّمَا يَبْقَى بِالْمَانِعِ، فَإِذَا أُزِيل الْمَانِعُ ذَهَبَ بِطَبْعِهِ، فَكَانَ ضَمَانُهُ عَلَى مَنْ أَزَال الْمَانِعَ. وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ شَقَّ زِقَّ إِنْسَانٍ فِيهِ دُهْنٌ مَائِعٌ فَسَال وَهَلَكَ. أَمَّا إِنْ فَتَحَ الْقَفَصَ، وَحَل الْفَرَسَ، فَبَقِيَا وَاقِفَيْنِ، فَجَاءَ إِنْسَانٌ
_________
(١) القواعد لابن رجب ص ٢٠٤ القاعدة ٨٩ ص ٢٨٥ القاعدة ١٢٧