الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١ - مقدمات - مقدمة الموسوعة الفقهية - الفقه الإسلامي والتعريف بالموسوعة الفقهية - الأطوار التي مر بها الفقه الإسلامي - الطور الخامس طور الاجتهاد - علم أصول الفقه

وَقَبْل أَنْ نَتَنَاوَل تَمْيِيزَ الْمُجْتَهِدِينَ وَطَبَقَاتِهِمْ يَجِبُ أَنْ نُبْرِزَ أَنَّ هَذَا الْعَهْدَ شَهِدَ مَوْلِدَ عِلْمٍ جَدِيدٍ، لَهُ اتِّصَالٌ وَثِيقٌ بِالْفِقْهِ وَهُوَ عِلْمُ أُصُول الْفِقْهِ.

. . .

عِلْمُ أُصُول الْفِقْهِ:

٢٨ - هَذَا الْعِلْمُ وُلِدَ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي الْهِجْرِيِّ، وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ أَوَّل مَنْ دَوَّنَ هَذَا الْعِلْمَ هُوَ الإِْمَامُ الشَّافِعِيُّ ﵁، وَذَهَبَ ابْنُ النَّدِيمِ فِي " الْفِهْرِسْتِ " أَنَّ أَوَّل مَنْ أَلَّفَ فِيهِ هُوَ أَبُو يُوسُفَ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَيًّا مَا كَانَ فَإِنَّ أَقْدَمَ مُؤَلَّفٍ فِي هَذَا الْعِلْمِ وَصَل إِلَيْنَا هُوَ رِسَالَةُ الإِْمَامِ الشَّافِعِيِّ ﵁. وَهَذَا الْعِلْمُ قَدْ بَيَّنَ الْقَوَاعِدَ الَّتِي يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ أَنْ يَلْتَزِمَهَا فِي اسْتِنْبَاطِهِ لِلأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ سَوَاءٌ مِنْ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ أَوِ الْقِيَاسِ. وَقَدْ وَضَعَ هَذِهِ الرِّسَالَةَ لِيُبَيِّنَ مِنْهَاجَهُ فِي الاِجْتِهَادِ. وَكَأَيِّ عِلْمٍ أَوْ كَائِنٍ حَيٍّ يُولَدُ صَغِيرًا ثُمَّ يَكْبَرُ، فَهَذَا الْعِلْمُ قَدْ أَخَذَ أَطْوَارًا، وَأُدْخِلَتْ فِيهِ مَبَاحِثُ مِنْ عُلُومٍ أُخْرَى رَأَى الْمُؤَلِّفُونَ فِيهِ أَنَّ لَهَا صِلَةً بِالاِجْتِهَادِ. بَل أَكْثَرُ مِنْ هَذَا فَقَدْ تَنَاوَل هَذَا الْعِلْمُ مَبَاحِثَ نَظَرِيَّةً بَحْتَةً.

وَقَدْ تَقَلَّبَ هَذَا الْعِلْمُ مَا بَيْنَ مَوْسُوعَاتٍ وَمُخْتَصَرَاتٍ، سَنَتَنَاوَل - بِإِذْنِ اللَّهِ - بَيَانَهَا بِالتَّفْصِيل عِنْدَمَا نُقَدِّمُ الْمُلْحَقَ الْخَاصَّ بِعِلْمِ أُصُول الْفِقْهِ.

٢٩ - وَلاَ يَظُنَّنَّ ظَانٌّ أَنَّ الاِجْتِهَادَ قَبْل تَدْوِينِ هَذَا الْعِلْمِ لَمْ يَكُنْ مَبْنِيًّا عَلَى قَوَاعِدَ مُلْتَزَمَةٍ، بَل الأَْمْرُ بِالْعَكْسِ، فَقَدْ كَانَ الْمُجْتَهِدُونَ مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ إِلَى عَهْدِ تَدْوِينِ أُصُول الْفِقْهِ يَلْتَزِمُونَ قَوَاعِدَ ثَابِتَةً، وَإِنْ اخْتَلَفَ رَأْيُ فَقِيهٍ عَنْ فَقِيهٍ فِي بَعْضِ الْقَوَاعِدِ فَإِنَّ اخْتِلاَفَهُمْ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى تَحَرِّي الصَّوَابِ قَدْرَ الإِْمْكَانِ، وَالاِبْتِعَادِ عَنْ تَحْكِيمِ الْهَوَى وَالْقَوْل بِالتَّشَهِّي فِي الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ. نَعَمْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ مُدَوَّنَةً، وَإِنْ كَانَتْ مُلْتَزَمَةً، كَشَأْنِ عِلْمِ النَّحْوِ مَثَلًا، فَقَدْ كَانَ الْعَرَبُ قَبْل تَدْوِينِهِ يَلْتَزِمُونَ رَفْعَ الْفَاعِل وَنَصْبَ الْمَفْعُول مَثَلًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْتَزِمُوا تِلْكَ الْمُصْطَلَحَاتِ الْعِلْمِيَّةَ.

وَمِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ تَدْوِينَ عِلْمِ أُصُول الْفِقْهِ جَاءَ مُتَأَخِّرًا عَنْ تَدْوِينِ الْفِقْهِ، وَإِنْ كَانَا - مِنْ حَيْثُ الْوُجُودُ - مُتَعَاصِرَيْنِ مُتَلاَزِمَيْنِ.