الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١

الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد ١ - حرف الألف - إبراء - الإبراء للإسقاط أو التمليك - غلبة أحد المعنيين أو تساويهما

غَلَبَةِ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ أَوْ تَسَاوِيهِمَا:

١٦ - الْمُسْتَفَادُ مِنْ كَلاَمِ الْفُقَهَاءِ اشْتِمَال الإِْبْرَاءِ عَلَى كِلاَ الْمَعْنَيَيْنِ: الإِْسْقَاطِ وَالتَّمْلِيكِ، وَفِي كُل مَسْأَلَةٍ تَكُونُ الْغَلَبَةُ لأَِحَدِهِمَا، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ يَتَعَيَّنُ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ تَبَعًا لِلْمَوْضُوعِ، كَالإِْبْرَاءِ عَنِ الأَْعْيَانِ، فَهُوَ لِلتَّمْلِيكِ؛ لأَِنَّ الأَْعْيَانَ لاَ تَقْبَل الإِْسْقَاطَ. أَمَّا فِي الدُّيُونِ الثَّابِتَةِ فِي الذِّمَّةِ فَيَجْرِي الْمَعْنَيَانِ كِلاَهُمَا. فَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ مِنْ أَنَّ الإِْبْرَاءَ عَنِ الدَّيْنِ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَمَعْنَى الإِْسْقَاطِ، وَمَثَّل لِمَا غَلَبَ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ بِأَنَّهُ لاَ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى الشَّرْطِ، وَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ. (١)

وَمَثَّل بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ لِمَا غَلَبَ فِيهِ مَعْنَى الإِْسْقَاطِ بِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لاَ يَهَبُهُ، فَأَبْرَأَهُ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لأَِنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكُ عَيْنٍ، وَهَذَا إِسْقَاطٌ. وَأَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ الإِْبْرَاءُ عَنِ الزَّكَاةِ، لاِنْتِفَاءِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ.

وَنَقَل الْقَاضِي زَكَرِيَّا عَنِ النَّوَوِيِّ فِي الرَّوْضَةِ قَوْلَهُ: " الْمُخْتَارُ أَنَّ كَوْنَ الإِْبْرَاءِ تَمْلِيكًا أَوْ إِسْقَاطًا مِنَ الْمَسَائِل الَّتِي لاَ يُطْلَقُ فِيهَا تَرْجِيحٌ، بَل يَخْتَلِفُ الرَّاجِحُ بِحَسَبِ الْمَسَائِل، لِقُوَّةِ الدَّلِيل وَضَعْفِهِ؛ لأَِنَّ الإِْبْرَاءَ إِنَّمَا يَكُونُ تَمْلِيكًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الدَّيْنَ مَالٌ، وَهُوَ إِنَّمَا يَكُونُ مَالًا فِي حَقِّ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ، فَإِنَّ أَحْكَامَ الْمَالِيَّةِ إِنَّمَا تَظْهَرُ فِي حَقِّهِ.

وَمِمَّا غَلَبَ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَرْجِيحُهُمْ اشْتِرَاطَ الْقَبُول فِي الإِْبْرَاءِ، كَمَا سَيَأْتِي. (٢)

_________

(١) تبويب الأشباه والنظائر لابن نجيم ٣٨٤

(٢) الفروع لابن مفلح ٤ / ١٩٤، وشرح الروض وحواشي الرملي عليه ٢ / ٢٣٨، ٢٣٩، والقليوبي ٢ / ٣٢٧، والدسوقي ٤ / ٩٩ و٣ / ٣١٠