- كريمة دوز
- دار الكاتب للنشر والتوزيع
- 2016م
- 284
- 13258
- 4761
- 3284
الأخلاق
هذه عينة من كتاب الأخلاق: بين الأديان السماوية والفلسفة الغربية الذي أصدرته دار الكاتب للنشر والتوزيع في شهر يناير من عام 2016
تعتبر الأخلاق أساس البناء الحضاري والتقدم البشري، فهي قطب الرحى والدعامة الأساسية، التي تقوم عليها حياة الفرد والمجتمع، وما سلوك الإنسان القويم إلا تعبير عن تمثله للقيم السامية التي تميزه عن الحيوان، وتخرجه من دائرة البهيمية.
وقد ميز الله تعالى الإنسان وخصه عن سائر المخلوقات بالعقل، الذي يحلق بواسطته في سماء المثالية متحليا بمكارم الأخلاق وفضائل الأعمال، محققا بذلك التوازن النفسي الذي يجعله مستمرا في حياته كإنسان عاقل يدرك أفعاله، ويميز بين ما هو خير وشر لإنسانيته.
لذلك جاءت الرسالات السماوية داعية في جوهرها إلى الفضائل الأخلاقية، ومؤكدة على ضرورة إقامة المجتمعات على قيم ثابتة لا تتغير بتغير الظروف والأحوال، فكان هدفها في كل ذلك بث القيم والفضائل في نفس الإنسان، والسمو به إلى أعلى مراتب الفضيلة، والترفع به عن الرذائل المقيتة، فنادت كل واحدة منها بمبادئ وقيم يكمل بعضها بعضا إلى أن ختمها الله جل وعلا برسالة الإسلام على يد نبيه لهذه متممة بذلك الصرح الأخلاقي الذي بنته الأديان الأخر.
الأخلاق حاجة ملحة للإنسان، تجعله يوفّق بين حاجاته وحاجات الجمع، بل تجعله يخاطر بنفسه لخير يعلو خيرات آنية، لذلك فلابد أن تكون الأخلاق نفسها بحاجة إلى مصدر وجداني دائم، فهو يختار بين دين -كما فعلت جماهير بني آدم- أو فلسفة يضعها رجل ثم يهدمها غيره، وإلا فحياة بهيمية لا محالة.
ومن البيّن أن الإيمان بسماوية الأخلاق أعمق وأكثر اتساقا معرفيا ونفسيا، فشتان بين دين يقول بأن الاهتمام بالضعفاء والإحسان إليهم سبب للنصر والرزق، وبين من لا يمتلك أدنى حجة لإدانة قتل طفل لمجرد إعاقته.
وهكذا سارت الأديان السماوية موازنة بين العقيدة والعبادة والأخلاق، داعية إلى أخلاق ثابتة غير متقلبة بتقلب الإنسان في حياته المادية، مستند ة في ذلك على الوحي الإلهي، الذي تسير عليه في إقرار الأخلاق بين الناس، راسمة المنهج الرباني الذي يحقق السعادة الإنسانية في الحال والمآل.
ولم تكن الأخلاق دعوة الأديان السماوية فقط، بل كانت محط اهتمام الفلاسفة الذين نحى بعضهم بالأخلاق منحا عقليا، فضاربت آراؤهم و اتجاهاتهم بين من أقر ثبات الأخلاق، و بين من رأى فيها علما نسبيا يتغير بتغير الز مان والمكان، بل ويتبدل بحسب منافع الإنسان، وما تحققه له هذه الأخلاق من لذات وشهوات تشبع غريزته.